كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولو قرأ قارئ (وعبد الطاغوت) كان صوابا جيّدا. يريد عبدة الطاغوت فيحذف الهاء لمكان الإضافة كما قال الشاعر:
قام ولاها فسقوها صرخدا

يريد: ولاتها. وأما قوله: {وعبد الطاغوت} فإن تكن فيه لغة مثل حذر وحذر وعجل فهو وجه، وإلا فإنه أراد- واللّه أعلم- قول الشاعر:
أبنى لبينى إنّ أمّكم ** أمة وإن أباكم عبد

وهذا في الشعر يجوز لضرورة القوافي، فأمّا في القراءة فلا.
وقوله: {وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ... (64)}
أرادوا: ممسكة عن الإنفاق والإسباغ علينا. وهو كقوله: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ} في الإنفاق.
{بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ} وفى حرف عبد اللّه بل يداه بسطان والعرب تقول: الق أخاك بوجه مبسوط، وبوجه بسط.
وقوله: {لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ... (6)}
يقول: من قطر السماء ونبات الأرض من ثمارها وغيرها. وقد يقال: إن هذا على وجه التوسعة كما تقول: هو في خير من قرنه إلى قدمه.
وقوله: {فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ... (71)}
فقد يكون رفع الكثير من جهتين إحداهما أن تكرّ الفعل عليها تريد: عمى وصمّ كثير منهم، وإن شئت جعلت عَمُوا وَصَمُّوا فعلا للكثير كما قال الشاعر:
يلوموننى في اشترائى النخيـ ** ـل أهلى فكلّهم ألوم

وهذا لمن قال: قاموا قومك. وإن شئت جعلت الكثير مصدرا فقلت أي ذلك كثير منهم، وهذا وجه ثالث. ولو نصبت على هذا المعنى كان صوابا. ومثله قول الشاعر:
وسوّد ماء المرد فاها فلونه ** كلون النؤور وهى أدماء سارها

ومثله قول اللّه تبارك وتعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} إن شئت جعلت (وأسرّوا) فعلا لقوله: {لاهية قلوبهم وأسرّوا النجوى} ثم تستأنف (الذين) بالرفع. وإن شئت جعلتها خفضا (إن شئت) على نعت الناس في قوله: {اقترب للناس حسابهم} وإن شئت كانت رفعا كما يجوز (ذهبوا قومك).
وقوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ... (73)}
يكون مضافا. ولا يجوز التنوين في (ثالث) فتنصب الثلاثة. وكذلك قلت: واحد من اثنين، وواحد من ثلاثة ألا ترى أنه لا يكون ثانيا لنفسه ولا ثالثا لنفسه. فلو قلت:
أنت ثالث اثنين لجاز أن تقول: أنت ثالث اثنين، بالإضافة، وبالتنوين ونصب الاثنين وكذلك لو قلت: أنت رابع ثلاثة جاز ذلك لأنه فعل واقع.
وقوله: {وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ} لا يكون قوله (إله واحد) إلا رفعا لأن المعنى: ليس إله إلا إله واحد، فرددت ما بعد (إلا) إلى المعنى ألا ترى أن (من) إذا فقدت من أوّل الكلام رفعت. وقد قال بعض الشعراء:
وما من حوىّ بين بدر وصاحة ** ولا شعبة إلا شباع نسورها

فرأيت الكسائي قد أجاز خفضه وهو بعد إلا، وأنزل (إلا) مع الجحود بمنزلة غير، وليس ذلك بشيء لأنه أنزله بمنزلة قول الشاعر:
أبنى لبينى لستم بيد ** إلا يد ليست لها عضد

وهذا جائز لأن الباء قد تكون واقعة في الجحد كالمعرفة والنكرة، فيقول: ما أنت بقائم، والقائم نكرة، وما أنت بأخينا، والأخ معرفة، ولا يجوز أن تقول: ما قام من أخيك، كما تقول ما قام من رجل.
وقوله: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ... (75)}
وقع عليها التصديق كما وقع على الأنبياء. وذلك لقول اللّه تبارك وتعالى: {فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها} فلما كلّمها جبريل صلى اللّه عليه وسلم وصدّقته وقع عليها اسم الرسالة، فكانت كالنبىّ.
وقوله: {ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ... (82)}
نزلت فيمن أسلم من النصارى. ويقال: هو النّجاشى وأصحابه. قال الفرّاء ويقال: النجاشي.
وقوله: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا (87)} هم نفر من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم أرادوا أن يرفضوا الدنيا، ويجبّوا أنفسهم، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} أي لا تجبّوا أنفسكم.
وقوله: {فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ... (89)}
فى حرف عبد اللّه: {ثلاثة أيام متتابعات} ولو نوّنت في الصيام نصبت الثلاثة كما قال اللّه تبارك وتعالى: {أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا} نصبت (يتيما) بإيقاع الإطعام عليه. ومثله قوله: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتًا أَحْياءً وَأَمْواتًا}: تكفتهم أحياء وأمواتا. وكذلك قوله: {فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} ولو نصبت (مثل) كانت صوابا. وهى في قراءة عبد اللّه {فجزاؤه مثل ما قتل} وقرأها بعض أهل المدينة {فجزاء مثل ما قتل} وكلّ ذلك صواب.
وأما قوله: {وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ} لو نوّنت في الشهادة جاز النصب في إعراب (اللّه) على: ولا نكتم اللّه شهادة. وأمّا من استفهم باللّه فقال (اللّه) فإنما يخفض (اللّه) في الإعراب كما يخفض القسم، لا على إضافة الشهادة إليه.
وقوله: {الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ... (90)}
الميسر: القمار كلّه، والأنصاب: الأوثان، والأزلام: سهام كانت في الكعبة يقتسمون بها في أمورهم، وواحدها زلم.
وقوله: {إِذا مَا اتَّقَوْا... (93)} أي اتقوا شرب الخمر، وآمنوا بتحريمها.
وقوله: {تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ... (94)}
فما نالته الأيدى فهو بيض النعام وفراخها، وما نالت الرماح فهو سائر الوحش.
قوله: {فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ... (95)}
يقول: من أصاب صيدا ناسيا لإحرامه معتمدا للصيد حكم عليه حاكمان عدلان فقيهان يسألانه: أقتلت قبل هذا صيدا؟ فإن قال: نعم، لم يحكما عليه، وقالا:
ينتقم اللّه منك. وإن قال: لا، حكما عليه، فإن بلغ قيمة حكمها ثمن بدنة أو شاة حكما بذلك عليه {هَدْيًا بالِغَ الْكَعْبَةِ} وإن لم يبلغ ثمن شاة حكما عليه بقيمة ما أصاب:
دراهم، ثمّ قوّماه طعاما، وأطعمه المساكين لكل مسكين نصف صاع. فإن لم يجد حكما عليه أن يصوم يوما مكان كل نصف صاع.
وقوله: {أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيامًا} والعدل: ما عادل الشيء من غير جنسه، والعدل المثل. وذلك أن تقول: عندى عدل غلامك وعدل شاتك إذا كان غلاما يعدل غلاما أو شاة تعدل شاة. فإذا أردت قيمته من غير جنسه نضبت العين.
وربما قال بعض العرب: عدله. وكأنه منهم غلط لتقارب معنى العدل من العدل.
وقد اجتمعوا على واحد الأعدال أنه عدل. ونصبك الصيام على التفسير كما تقول: عندى رطلان عسلا، وملء بيت قتّا، وهو مما يفسّر للمبتدئ: أن ينظر إلى (من) فإذا حسنت فيه ثم ألقيت نصبت ألا ترى أنك تقول: عليه عدل ذلك من الصيام. وكذلك قول اللّه تبارك وتعالى: {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا}.
وقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ... (96)}
الصيد: ما صدته، وطعامه ما نضب عنه الماء فبقى على وجه الأرض.
قوله: {لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ... (101)}
خطب النبي صلى اللّه عليه وسلم الناس، وأخبرهم أن اللّه تبارك وتعالى قد فرض عليهم الحجّ، فقام رجل فقال: يا رسول اللّه (أوفى) كلّ عام؟ فأعرض عنه.
ثم عاد (فقال أفي كل عام؟ فأعرض عنه، ثم عاد) فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: «ما يؤمنك أن أقول (نعم) فيجب عليكم ثم لا تفعلوا فتكفروا؟ اتركوني ما تركتكم».
و(أشياء) في موضع خفض لا تجرى. وقد قال فيها بعض النحويين:
إنما كثرت في الكلام وهى (أفعال) فأشبهت فعلاء فلم تصرف كما لم تصرف حمراء، وجمعها أشاوى- كما جمعوا عذراء عذارى، وصحراء صحارى- وأشياوات كما قيل:
حمراوات. ولو كانت على التوهّم لكان أملك الوجهين بها أن تجرى لأن الحرف إذا كثر به الكلام خفّ كما كثرت التسمية بيزيد فأجروه وفيه ياء زائدة تمنع من الإجراء. ولكنا نرى أن أشياء جمعيت على أفعلاء كما جمع ليّن وأليناء، فحذف من وسط أشياء همزة، كان ينبغى لها أن تكون (أشيئاء) فحذفت الهمزة لكثرتها. وقد قالت العرب: هذا من أبناوات سعد، وأعيذك بأسماوات اللّه، وواحدها أسماء وأبناء تجرى، فلو منعت أشياء الجري لجمعهم إياها أشياوات لم أجر أسماء ولا أبناء لأنهما جمعتا أسماوات وأبناوات.
وقوله: {ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ... (103)}
قد اختلف في السائبة. فقيل: كان الرجل يسيّب من ماله ما شاء، يذهب به إلى الذين يقومون على خدمة آلهتهم. قال بعضهم: السائبة إذا ولدت الناقة عشرة أبطن كلهنّ إناث سيّبت فلم تركب ولم يجزّ لها وبر، ولم يشرب لبنها إلا ولدها أو ضيف حتى تموت، فإذا ماتت أكلها الرجال والنساء وبحرت أذن ابن ابنتها- يريد: خرقت- فالبحيرة ابنة السائبة، وهى بمنزلة أمّها. وأمّا الوصيلة فمن الشاء. إذا ولدت الشاة سبعة أبطن عناقين عناقين فولدت في سابعها عناقا وجديا قيل: وصلت أخاها، فلا يشرب لبنها النساء وكان للرجال، وجرت مجرى السائبة.
وأما الحامى فالفحل من الإبل كان إذا لقح ولد ولده حمى ظهره، فلا يركب ولا يجزّ له وبر، ولا يمنع من مرعى، وأىّ إبل ضرب فيها لم يمنع.
فقال اللّه تبارك وتعالى: {ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} هذا أنتم جعلتموه كذلك.
قال اللّه تبارك وتعالى: {وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}.
وقوله: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ... (105)}
هذا أمر من اللّه عزّ وجلّ كقولك: عليكم أنفسكم. والعرب تأمر من الصفات بغليك، وعندك، ودونك، وإليك. يقولون: إليك إليك، يريدون: تأخّر.
كما تقول: وراءك وراءك. فهذه الحروف كثيرة. وزعم الكسائىّ أنه سمع: بينكما البعير فحذاه. فأجاز ذلك في كلّ الصفات التي قد تفرد، ولم يجزه في اللام ولا في الباء ولا في الكاف. وسمع بعض العرب تقول: كما أنت زيدا، ومكانك زيدا. قال الفراء: وسمعت بعض بنى سليم يقول في كلامه: كما أنتنى، ومكانكنى، يريد انتظرنى في مكانك.
ولا تقدّمنّ ما نصبته هذه الحروف قبلها لأنها أسماء، والاسم لا ينصب شيئا قبله تقول: ضربا زيدا، ولا تقول: زيدا ضربا. فإن قلته نصبت زيدا بفعل مضمر قبله كذلك قال الشاعر:
يا أيها المائح دلوى دونكا

إن شئت نصبت (الدلو) بمضمر قبله، وإن شئت جعلتها رفعا، تريد: هذه دلوى فدونكا.
لا يَضُرُّكُمْ رفع، ولو جزمت كان صوابا كما قال: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} لا تخف، ولا تَخافُ جائزان.
وقوله: {شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ... (106)}